اضغط هنا .. لترشيحى لأفضل مئة مدونة

الأحد، ٥ أغسطس ٢٠٠٧

وقت فراغ- قصة قصيرة

وقت فراغ- قصة قصيرة

كريم بدران

(طارق) ... مهندس ناجح جداً فى شغله .. ملتزم حرفياً وبكل ما تعنيه حروف الكلمة من معنى، بتوقيتات العمل، وأعبائه ومتطلباته، لم يسمع عنه أحد كلمة واحدة تدل على الاستهتار أو اللامبالاة، كما أنه ذكى للغاية، وحريص فى كلماته وتصرفاته ، وحذر جداً فى علاقاته مع زملائه فى العمل أو فى أى مكان .. هل أنهيت كل شئ عن (طارق)؟ .. أعتقد ذلك .. ربما الشئ الوحيد الذى لم أذكره أنه يسكن وحيداً .. وغذاً يوم راحة لا عمل فيه !!

للتو دلف إلى شقته فى المنطقة الراقية من العاصمة، خلع نظارته الشمسية الأنيقة، ووضعها مع الموبايل وسلسلة المفاتيح على المنضدة الصغيرة المجاورة للباب، وخلع الجاكت وعلقه فى بطء على أحد الكراسى، وتوجه إلى الثلاجة وتناول منها علبة من العصير المشهور الماركة، وألقى بنفسه على مقعد وثير مواجها للبلكونة، بعد أن فتح بابها ليدخل الهواء المنعش أرجاء الشقة.

رشف عدة رشفات من العصير بتلذذ، وعلى مدى وقت طويل للغاية كما لو أنه يريد أن يستمتع بكل ذرة من ذرات السائل المثلج ... داعبت خصلات شعره الناعم نسمات رقيقة من الهواء الرطب، على الرغم من أن الوقت كان لا يزال نهاراً، ومع تهدل إحدى خصلات شعره، رفع يده ليعيد الشعيرات المتناثرة إلى مكانها، وهو يتأمل العمارة المقابلة له .. حقيقة لم يكن ينظر إلى العمارة وإنما كان يراقب فتاة جميلة تقف فى شرفتها وتتكلم فى المحمول ..

وعلى الرغم من أنه يسكن هنا منذ مدة، وكثيراً ما يقف فى الشرفة متأملاً الشارع والعمارات المواجهة له إلا أنه لم يرها من قبل، هو لم يحدد ملامحها تماماً بالطبع، ولكن الانطباع العام يوحى بأنها فاتنة حقاً !!

لم انشغل عقله بها؟ .. ولماذا يفكر أصلاً بهذ الطريقة؟ .. لقد استغرق كل وقت انصرافه من العمل إلى وصوله إلى البيت، فى التفكير فى كيفية قضاء غذه، فهو عادة كان يترك يوم إجازته الوحيد فى الأسبوع نظراً لانشغاله الشديد بقية أيامه فى قضاء مشاوير لقضاء حاجاته التى لا يستطيع أن يقضيها فى باقى الأيام، هذا هو اليوم الأول له منذ مدة طويلة فعلاً فارغاً تماماً ... لا يعرف ماذا يفعل؟! ..

لقد مل حياته المنتظمة المنضبطة الرتيبة، ويريد تغييراً جذرياً حتى ولو كان يوماً واحداً .. سيقابل أصدقائه وسيخرجون فى نزهة ليليـــ ... بتر أفكاره مرة واحدة ... متذكراً أنه من شدة ارتباطه بعمله لم يكن لديه أصدقاء .. هو فقط يملك زملاءاً ومعارفاً ... ولكن ليسوا أصدقاء أبداً .. صديقه الوحيد ترك المدينة والبلد منذ زمن !!

لم يدرى لم ظهرت فى رأسه بغتة فكرة غريبة ؟ ... كان زملائه فى الثانوية يسخرون منه ويستهزئون به لأنه لم يعاكس فتاة ولو لمرة واحدة فى حياته ... وكانوا يطلقون عليه ألقاباً عديدة منها "المتزمت" .. وأخرى "الدحيح" .. أما اللقب الذى كان يستثيره ويغيظه جداً هو "البنت المكسوفة" .. كان يؤلمه للغاية وكثيراً ما كان يتشاجر مع من ينادونه هكذا وعادة ما كان يضرب هو فى النهاية .. وينتهى الأمر به فى حجرة أستاذ (عبد الحميد) مدرس اللغة العربية وهو ينصحه بأن يبتعد عنهم، وأنه ليس مثلهم لأنهم رفقاء سوء وفشلة، أما هو فهو طالب مجتهد متفوق هدفه واضح ومحدد .

أخذته هذه الأفكار ولكنه كان محنقاً جداً على ضعفه واستسلامه الدائم لنصيحة أستاذ (عبد الحميد) .. حتى وجد نفسه يقول ساخراً بصوت عالى :

_ " أنت طالب مجتهد .. ليك هدف واضح ومحدد .. أيوا .. أخرتها حمار شغل .. وبيت فاضى مفهوش غيرك .. وكل "رفقاء السوء" عندهم دلوقتى بدل العيل تلاتة .. وتلاقيهم بيقبضوا أحسن منك .. ولا يهمك بس أنت ليك هدف واضح ومحدد " !!

جرع آخر قطرات العصير، وقام ليرميها فى السلة، ونظر إلى التليفون القابع فى هدوء ... وابتسم .. وتمتم قائلاً:

_ " ولم لا؟! "

كانت فكرة أنه لم يعاكس فتاة واحدة فى حياته مسيطرة عليه تماماً .. ولأنه حقيقة خجول " زى البنت المكسوفة فعلاً" لم يكن يجرؤ على أن يفكر فى مطاردة إحدى الفتيات فى الشوارع .. ربما عن طريق التليفون نعم .. هكذا اختمرت الفكرة فى رأسه .. وأوضعها محل التنفيذ .. مد يده ليلتقط السماعة و ...

ترررررررن .... تررررررن

جفل من المفاجأة، ولكنه رفع السماعة ليجد زميله على الطرف الآخر يقول :

_ " (طارق) .. معلهش .. ممكن تمسك بدالى بكرة .. علشان أنا حصلى ظرف طارئ "

ابتسم (طارق) فى حسرة .. وضحك فى داخله .. وهو يضع السماعة بعد أن أجاب بهدوء : " مفيش مشكلة" !!

هناك ٦ تعليقات:

غير معرف يقول...

ها ها قصة مؤثرة و كلها مواعظ و تعبر عن السلبية الشديدة التي أصبحت واقعا ملموسا لامناص منه. طبعا أنا لا أقصد أنه على كل شاب أن يعاكس فتاة حتى لايصبح سلبيا و لكنها تعتبر تشبيها لدنيا التغيير و الخروج عن الرتابة الى عالم الابداع و الذي يتهشم على صخور السلبية التي يعيش فوقها شباب اليوم البائس الخائف من التغيير
بداية رائعة ياكريم و قريبا ستقرأ مالدي من كتابات

بالتوفيق

غير معرف يقول...

قصة جميلة يا استاذ كريم بس دي مش قصة قصيرة دي ربع قصيرة وعلى الرغم من انها قصيرة الا انها جميلة وليها مغزى و دلالة...ونرجو المزيد

kariembudran يقول...

أحمد ... ايه الكلام الكبير ده، انا عملت كل ده !!!...ربنا يسامحك ومتشكر جدا على رأيك ... وان شاء الله اقرالك كتاباتك التى دايما بتمتعنى
محمد متشكر قوى على تعليقك ... واوعدك القصة الجديدة تكون أطول شوية

نور يقول...

مجتمع يزهق مش كده؟

مروة عوض يقول...

حلوة يا كريم الجميل فيها انها وصفت لنا حياته بأقل عدد من الكلمات
انتظر المزيد

محمد منعم يقول...

يقول الامام على
كن حذر


من الكريم إذا اهنته ، ومن العاقل إذا احرجته ، ومن اللئيم إذا اكرمته ، ومن الاحمق إذا مازحته ، ومن الفاجر إذا عاشرته ... وإنى ذقت الطيبات كلها فلم اجد اطيب من العافيه ، وذقت المرارات فلم اجد امر من الحاجه إلى الناس ونقلت الحديد والصخر فلم اجد اثقل من الدين ، اعلم ان الدهر يومان يوم لك ويوم عليك ، فإن كان لك فلا تبطر وإن كان عليك فاصبر فكلاهما سينحر ........
جميل جدا يابشمهندس استمر وربنا يوفقك