اضغط هنا .. لترشيحى لأفضل مئة مدونة

الأربعاء، ٢٩ أغسطس ٢٠٠٧

هاتف ليلى- قصة قصيرة

كتبها : م. كريم بدران

ترررررن ... ترررررن ... ترررررن ...

هكذا استيقظت على هذا النداء المحموم، وبفم ملىء بآثار النعاس رددت متذمراً:

- أرجو أن يكون لديك سبب قهرى لإزعاجى و...

- زوجتك عندنا فى المستشفى بين الحياة والموت ... أرجو أن تحضر!!!!

زوجتى ... من هذا المخبول ؟ .. زوجتى بجوارى نائمة كالثو .. كالملاك الحالم ... أضأت الأباجورة الأنيقة التى ... أين ذهبت ؟!!

ليست بجوارى كما اعتقدت !! ... مالذى سيجعل زوجة محترمة تغادر فراشها لتكون فى المستشفى بين الحياة والموت وفى ساعة متأخرة مثل هذه ؟!

نظرت فى الساعة المعلقة على الحائط أمامى مباشرة فوجدتها الثالثة صباحاً ... رفعت السماعة لأستفسر من هذا الوغد فى أى مستشفى تكون ... ولكنه – يا للحيوان- أنهى المكالمة وكأنه من الطبيعى للغاية أن أعرف فى أى مستشفى هى؟ .. وما الذى جعلها تكون فى هذه الحالة التى بين الحياة والموت !!

اهدأ قليلاً ودعنا نفكر بهدوء ... مالذى يمنع من أن ألقى نظرة على الرقم الذى طلبنى ومنه أعرف رقم المستشفى إذا كان يطلبنى منها طبعاً وهذا هو الغالب، لأنه ليس من الطبيعى أن يطلب ... هل من الممكن أن تهدأ قليلاً ؟!! ... أولاً أنا لست مشتركاً فى هذه الخدمة اللعينة ... لو سمعت كلامها واشتركت ... لكنى كنت أراها خدمة ترفيهية لا لزوم لها سوى أن أربح الشركة خمسة عشر جنيهاً زائدة عن كل فاتورة هاتف أدفعها !!

إذن مالعمل الآن ؟!... لا بد وأن يكون هناك حل ... لو انتظر هذا الوغد قليلاً على الهاتف ... لو أخبرنى فى أى مستشفى لعين ترقد ... ثم مالذى حدث لها ؟ ... مالذى جعلها تخرج من البيت أساساً ؟ ... وأين كنت أنا وقتها ؟ ... بالطبع كنت قتيلاً كخروف تم نحره من ساعات ... لم لم تخبرنى أنها ذاهبة ؟ ... آآآآآآآآآآآآه ..... رأسى ستنفجر ..... اهدأ قليلاً أخذك الله !!

هل أبلغ الشرطة ؟ ... وما الذى سأقوله فى البلاغ ؟ ... صحيت من النوم على هاتف يخبرنى بأن زوجتى فى المستشفى بين الحياة والموت !! ... وماذا عساهم أن يفعلوا ؟ ...

هل تكون قد ذهبت لمستشفى (...)؟ ... هى بجوارنا لاتبعد عنا سوى محطتين فقط، وهناك أنجبت أبنائنا الثلاثة ولم نعرف سواها طيلة حياتنا الطويلة، لم ندخلها قط منذ أن أنجنبت (رامى) آخر الأولاد ... ربما تكون هناك ... الحل إذن أن أغير ملابسى وأنزل إليها مسررررررعاً.

******

ما أغرب هذه الحياة؟ ... ليس هذا سؤالاً فلسفياً أو مقدمة لموعظة دينية مملة من تلك التى نتلقاها كل صلاة جمعة، قليل من الكلمات المحفوظة التى لا يعرف شيوخ هذه الأيام سواها ويرددونها دونما يعرفون معناها، ونسمعها كالذى ... ليست كذلك على الإطلاق !!

أنا دكتور محيى طبيب حديث التخرج، وجديد على مستشفى (...)، وأحب أن أعمل ليلاً ولذلك تجدنى فى جميع الشيفتات الليلية، أتلقى حالات الاستقبال فى ملل وربما فى قشعريرة أحياناً، أو ارتشف أكواباً من الشاى الردئ الذى أبتاعه من بقالة الحاج محمود على أول الشارع ... مالذى كنت أقوله ؟ ... معذرة فأنا من النوع الثرثار الذى ما إن يجد أذناً بشرية بجواره حتى يسرع بالتهامها على الفور ... هذا تعبير مجازى لمن لا يفهم فى مثل هذه الأمور !!!

بالفعل الدنيا مليئة بالأشياء الغريبة التى لا يجد لها أحد تفسيراً، وربما لا يرهق نفسه فى التفسير من البداية، ولكن بطبيعتى الفضولية أنا لا أهدأ حتى أعرف ؟ ... لماذا؟ ... حسناً ... حتى ألتهم أذن شخص ما بما عرفت ... ألم أقل لكم أنى كثير الكلام ؟!

خذ عندك مثلاً هذا الرجل غريب الأطوار الذى يأتى كل ليلة فى حوالى الساعة الثالثة والربع، ملهوفاً للغاية يتسائل فى هلع بالغ، عن الحالات التى استقبلناها هذه الليلة، إن تواجد فيها امرأة تسمى (إيمان أبو المجد) ويدعى أنها زوجته، ولما أخبره بأنه ليست هناك حالات خطرة لسيدات على الإطلاق وليست هناك أى امرأة أساساً مصابة جاءت هذه الليلة، أجد نظرة تنم عن ارتياح لحظى سرعان ما تزول، وتحل مكانها نظرات فزع وخوف، وهو يقول فى ارتباك :

- لقد تلقيت مكالمة تليفونية منذ ربع ساعة ... ينظر فى ساعته ويكمل بتأكيد:

- نعم منذ ربع ساعة من شخص لا أعرفه أن زوجتى فى أحد المستشفيات بين الحياة والموت.

أسأله السؤال الذى أصبح مملاً وبلهجة لا توحى بالقلق على الإطلاق:

- ياسيدى ... أنت تأتى كل يوم من أسبوع كامل فى هذا الوقت لتقول مثل هذا الخبر وترحل ولا نراك إلا فى اليوم التالى فى نفس المعياد .

اليوم أردت أن أعرف منه الحكاية كاملة، إن كانت هناك حكاية ما، انتحيت به جانباً بعيداً عن الممرضات، وفتحت له علبة من المياه الغازية لتهدئته قليلاً، وتحدثت إليه بلهجة هادئة قائلاً:

- ما الأمر حقيقة؟ ... لماذا تأتى كل يوم لتسأل عن هذه السيدة ؟

نظر لى بغضب وهو يصرخ:

- إنها زوجتى ... وأخبرك أنها بين الحياة والموت فى أحد المستشفيات التى لا أدرى عنها شيئاً على الإطلاق و ...

- ودائماً ما ترحل بعد أن أخبرك بأنها ليست هنا ... هل هى مفقودة منذ أسبوع ولا تعلم مكانها ؟

نظر لى نظرة صامتة طويلة ... ورحل بلا كلمة واحدة

********

"لم أعد قادرة على الاستحمال ... لقد فاض بى الكيل "

تصرخ زوجتى الحبيبة فى وجهى بهذه الكلمات وهى ثائرة، بعد أن أقضى الليل كله فى البحث عنها وأعود منهكاً والليل قد ولى وأعلن الصبح عن مجيئه بأشعة واهنة لم تشتد بعد ...

- هل أصابك الجنون؟ ... أم هذا هو العذر السخيف الذى تقوله حتى لا أسألك أين كنت طوال الليل؟!

- كنت أبحث عنك ... قلت لك أننى تلقيـ...

- دعك من هذا الهراء ... الهاتف لم يرن طوال الليل ... لم أنم هذه الليلة حتى أعرف ما تفعله، ووجدتك تقوم من فراشك فى الساعة الثالثة مفزوعاً ... وتلبس ملابسك وكأن الشيطان يطاردك ... وتخرج مسرعاً ... ولا أعلم بعدها أين تذهب؟ ... ولا أراك إلا عندما تشرق الشمس بهذه الحكاية السخيفة !!

- أنا لا ... أنا لا أكذب ... أقسم لك أننى كل يوم أتلقى هذه المكالمة ووقتها لا أجدك بجوارى !!

- لماذا ؟ ... هل تكون أعمى وقتها؟!

- ........

- أنت لا تعرف بم ترد؟ ... لأنى كشفتك اليوم ... هل هذا الهاتف الغريب كل يوم يخبرك بأنى بين الحياة والموت ولا تسأله فى كل مرة عن اسم المستشفى التى أكون راقدة فيها ... فأل الله ولا فألك !!

- نعم ... هو لايترك لى فرصة لسؤاله !!

- نعم لأنه لا وجود له أصلاً !!

*******
هى لا تصدقنى ... المصيبة أنها لا تصدقنى ... أنا لست مجنوناً ولا كذاباً، وإن أصبحت أشك فى هذا، عندما أستيقظ لا أجدها بالفعل بجوارى، أنا لا أخرف، وأتلقى المكالمة بالفعل وهذا ليس حلماً، لكن بعد حديثها الحانق هذا لن يهمنى أمرها، ولن أهتم ما إذا كانت فى المستشفى أم لا، أنا فقط أريد أن أعرف إن كنت مخرفاً أم لا، كان أول شئ فعلته أن ذهبت إلى السنترال وقدمت على خدمة إظهار الطالب، واشتريت هاتفاً ممن يدعم هذه الخاصية، اليوم ... أقصد الليلة أتأكد من حقيقة صدقى ... وأريها أننى لم أكن أخدعها أو أكذب عليها.

لم أنم هذه الليلة منتظراً بكل هدوء اللحظة التى يرن فيها الهاتف، ولكنه لم يرن، انتظرت طويلاً بعد الساعة الثالثة صباحاً موعد المكالمة ولكنه لم يتحرك، هذا الهاتف اللعين ... تكلم أيها الوغد !!

أقسم أننى لم أكن أكذب عليها، كما أنى لم أكن أحلم، وإلا فأنا مجنون حقيقة، أى طفل فى عمر (رامى) ابنى يعرف ما هو الفرق بين الحلم والحقيقة !!

الذى أثار غيظى بحق أنها استيقظت فى الثالثة صباحاً، لتسألنى بتشف واضح هل تلقيت هذا الهاتف الليلى المزيف – كما تزعم – أم أنها كانت محقة وأننى وغد لأنى لم أجد حجة لصرمحتى الليلية سوى أن أجعلها طريحة حادثة على أحد الأسرة فى أحد المستشفيات حتى أتخلص منها.

********

أعود إليكم مرة أخرى ... بثرثرتى المعهودة لأوضح لكم كم أن الحياة غريبة بالفعل، كنت قد أخبرتكم عن هذا الرجل الذى يدعى أن زوجته ترقد فى مستشفى ما لا يعرفها، ويبحث عليها .... أنتم تعرفون القصة .

بعد آخر محادثة لى معه لم أره إلا بعد ثلاثة شهور، وهى مدة طويلة نسبياً لرجل كان يأتى يومياً، وكانت قصة رؤيتى له العجب العجاب.
الحكاية بدأت فى إحدى الليالى وبالمناسبة أنا أعشق العمل الليلى لأن الليل دائما الهدوء والسكينة ... معذرة ... لقد أخبرتكم هذا من قبل ... المهم ... فى هذه الليلة سمعت ولولة عربة الإسعاف كالمعتاد ولكن قلبى انقبض مع صوتها فى هذه المرة بالذات ولست أدرى ما السبب ؟

عرفت السبب على الفور عندما أنزل رجال الإسعاف هذه السيدة الراقدة على المحفة فى حالة لم أرى مثل بشاعتها على الإطلاق، كانت مهشمة تقريباً والدماء تغرقها وكأنها كانت تستحم به، صرخت فى المسرعين بالإسراع، وأمرت الممرضات أن يحضرن حجرة العمليات على الفور وأبلغت طبيب الجراحات على الفور بالحالة، وجدت حقيبتها ملقاة على الأرض قد سقطت من على المحفة عندما كانوا ينزلونها ...

بحثت فيها لأخبر أقاربها بما حل بها، آه .. نسيت أن أخبركم أن الذى صدمتها هى شاحنة كبيرة وأن سائقها هو الذى طلب الإسعاف لها وجاء معها وهو يجلس الآن خارجاً فيما بعضهم يبلغون الشرطة عن هذا الحادث.

ها لقد وجدت بطاقتها الشخصية اسمها (إيمان على أحمد أبو المجد ) متزوجة من (مختار السيد ) ... أريد رقم هاتف ...

" إيمان أبو المجد "

ها هو المحمول مؤكد أن به رقم منزلها ... أو رقم أحد أقاربها

" أين سمعت بهذا الاسم من قبل ؟"

هاهو رقم (منزلنا) ... اضغط اتصال ...

" رباه !! ... إيمان أبو المجد ...!! "

الجرس يتواصل ولا أحد يجيب ... ها هو يجيب قائلاً

- " أرجو أن يكون لديك سبب قهرى لإزعاجى و..."

- زوجتك عندنا فى المستشفى بين الحياة والموت ... أرجو أن تحضر!!!! ... أنا دكتور محيى ...

من هذا المخبول؟ ... لقد أغلق الهاتف ... لم أقل أى مستشفى و......

نظرت فى الساعة فوجدتها الثالثة صباحاً !!!

بعدها بربع ساعة كان يدخل مهرولاً ويقول فى قلق بالغ :

- هل أتت لديكم حالة خطرة لسيدة تدعى (إيمان أبو المجد) !!


هناك ٨ تعليقات:

غير معرف يقول...

جميلة جدا يا كريم

kariembudran يقول...

متشكر جداً يا كيمو ... وحشتنى جداً

محمود يقول...

جميلة جدا جدا جدا جدا يا فنان

kariembudran يقول...

أنا مش عارف أقولك إيه يا عزيزى محمود
أنت أجمل محمود فى الدنيا

غير معرف يقول...

حلوة قوى يا كيمو، بتفكرنى بال
les livres de obossision
فيها بعض الغموض اللى بحبه ... وطبعاً النهاية المفتوحة
open end !!
حلوة بجد

nohamy يقول...

كريم مبروك على البلوج
انا بعت لك ايميل انت مردتش عليا لية

kariembudran يقول...

الله يبارك فيك يا تهامى
بالنسبة للإيميل فأنا موصلنيش حاجة خالص
أنت شرفت البلوج وما تعرفش أنا فرحان قد ايه بزيارتك ده

غير معرف يقول...

بصراحه يا كريم الكاتب المتمييز بيتمتع بالخيال الواسع وانا اشهد بأنك كاتب متمييز
محمد مجدي